29 مارس 2024 م


9 يونيو 2019 م 1276 زيارة

 عربية world news: 

تابع ملايين البشر في العالم على شاشات التلفاز ومواقع الأخبار تطورات تفاقم المواجهة والصراع بين الولايات المتحدة وإيران والتي استخدم فيها الطرفان فنون سياسة بحافة الهاوية» وأساليب الردع, ووظفا أدوات القوة الصلبة والناعمة التي بحذوتهما. تعود سياسة بحافة الهاوية» إلى ممارسات وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دلاس في خمسينيات القرن الماضي والتى تُشير إلى اتباع الدولة خُطوات محسوبة ومُتدرجة لتصعيد المواجهة مع خصومها وأعدائها حتى تصل بالموقف إلى حافة الهاوية وذلك بهدف اخافتهم وترويعهم من مغبة ما يقومون به وإجبارهم على تغيير سياساتهم وسلوكهم ويتطلب تبني هذه السياسة براعة أن تصل بالموقف إلى حافة الهاوية دون السقوط فيها . أما مفهوم الردع فيُشير إلى امتلاك الدولة لعناصر القوة الشاملة القادرة على سحق خصومها وأعدائها واعلانها نية استخدامها ضدهم إذا لم يُغيروا من سياساتهم التي تعتبرها خطرًا على مصالحها أو مصالح حلفائها. وهكذا فإن جوهر نجاح سياستي حافة الهاوية والردع هو تحقيق الاهداف دون قتال أو تحقيق الانتصار بدون حرب، وبالمناسبة فإن هذا التعبير كان عنوان أحد كتب الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون وتحليله لفوز أمريكا في الحرب الباردة ونجاحها في هزيمة الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي وتفكيكهما.

قصدت بهذه المُقدمة شرح بواعث السياستين الأمريكية والايرانية في المواجهة الدائرة بينهما وإدراكهما فداحة التكلفة المادية والبشرية لقيام الحرب. فالولايات المتحدة تعتبر أن استمرار ايران في برامج تطوير سلاحها النووي والصاروخي وتدخُلها في الشئون الداخلية للدول الاخرى من خلال الحلفاء والوكلاء المحليين يمثًل مصدرًا لتهديد الأمن والاستقرار الاقليمي والعالمي. ولتغيير هذا الوضع, اتخذت مجموعة من الخطوات كان أهمها انسحابها من الاتفاق النووي في مايو 2018 وفرض عقوبات اقتصادية صارمة على قطاعات النفط والتعدين والبنوك واعلان الحرس الثوري الايراني منظمة ارهابية . ولم تقتصر العقوبات على إيران بل امتدت إلى الشركات والدول الأجنبية التي تتعامل معها ووصل الأمر إلى امتناع المطارات في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا عن تزويد الطائرات المدنية الايرانية بالوقود خوفًا من الوقوع في براثن العقوبات الأمريكية والتي فرضت هذا الحظر لاتهامها الطائرات الايرانية بنقل السلاح والمقاتلين . ورافق ذلك حملة سياسية واعلامية لبث الرعب لدى الايرانيين مثل الاشارة إلى امكانية تدمير ايران وأنها سوف تتعرض لخسائر لم يشهد لها العالم مثيًلا. واعلان أن أمريكا سوف تعتبر ايران مسئولة عن أي اعتداء ضد مصالحها ومصالح حلفائها وأصدقائها الاقليميين بغض النظر عما إذا كان مصدر هذا الاعتداء الحرس الثوري أو إحدى الميليشيات المؤيدة لإيران.

لكن الجدير بالملاحظة هو حرص الرئيس ترامب وكبار الساسة الأمريكيين على تأكيد أن امريكا لا تريد الحرب ولا تهدف إلى تغيير النظام الحاكم في ايران وإنما تسعى إلى تغيير سلوكه وإعادة التفاوض معه على أسس جديدة. وأثناء زيارته لليابان غازل ترامب الشعب الايراني وقال ان فيه كثيرا من الموهوبين وانه لا يمانع في ادماج ايران في النظام الدولي بعد تغيير سلوكها. هُناك أيضًا بُعد آخر وهو أن الاستراتيجية الأمريكية هدفت إلى إيجاد نوع من التوازن بين الدول العربية وإيران وليس من مصلحتها خلق اختفاء هذا التوازن لصالح أحد الاطراف وان ترامب تعهد اكثر من مرة بعدم الزج بالقوات الامريكية فى حروب خارجية. باختصار فان أمريكا طول الوقت تُلوحُ بالعصى والجزرة.

أما بالنسبة لإيران, فقد وصفت العقوبات المفروضة عليها بأنها إرهاب اقتصادي وهددت بالتخلي عن التزاماتها في الاتفاق النووي واتسم رد فعلها بالتصعيد والتهديد بأنه إذا لم تستطع إيران تصدير نفطها فإن أحدًا غيرها لن يُصدر نفطُه وذلك في إشارة إلى قُدرتها على تهديد حُرية الملاحة الدولية في مضيق هُرمز ومن ثم تهديد أمن الطاقة العالمي. وحذرت من أن نشوب الحرب سُوف يُلحق أضرارًا جسيمة بمصالح أمريكا وحلفائها وأن ايران قادرة على الدفاع عن أرضها وشعبها. ورافق ذلك تحرك أكبر للزوارق المسلحة السريعة في مياه الخليج واقتراب بعضها بشكل استفزازي من حاملة الطائرات لنكولن وغيرها من السفن الأمريكية. ووقعت اعتداءات على سُفن ترفع أعلام الامارات والنرويج و على أهداف في السعودية والعراق. لم تُلحق أي من تلك الأعمال العسكرية أضرارًا ذات شأن ورُبما كان هدف إيران و حلفائها هو ايصال رسالة بأنهم يستطيعون الوصول إلى تلك الأهداف. في نفس الوقت كانت هُناك وساطات واتصالات سويسرية ويابانية وعُمانية وعراقية وقام وزير الخارجية الايراني بجولات في أوروبا وآسيا وزار العراق أكثر من مرة وأرسلت ايران مبعوثين دبلوماسيين إلى سلطنة عُمان وقطر والكويت وفي أول يونيو فتح الرئيس روحاني الباب للمفاوضات مع أمريكا، مُشيرًا إلى أنها ينبغي أن تقوم على أساس الاحترام المتبادل والسيادة والقانون الدولي وأن ايران لن تتفاوض تحت تأثير الضغط. وتردد حديث عن قيام ايران بالافراج عن لبنانى مسجون بتهمة التجسس لصالح امريكا .

من الواضح أن الطرفين لا يُريدان الحرب فإيران تُدرك أن ميزان القوى يميلُ بشكل ساحق لصالح الطرف الآخر وأمريكا بدورها تُدرك أنه إذا نشبت الحرب فإنها لن تكون حربًا نظامية أو تقليدية وأنها سوف تمتد إلى أرجاء أخرى في المنطقة والعالم ولن تستطيع فرض نهاية سريعة لها. لذلك يسعى كُل منهما إلى الاستمرار في المواجهة والتصعيد بهدف تحسين موقفه التفاوضي. كلاهما يؤكد قُدرته على الحرب وتكبيد الخصم خسائر فادحة وفي نفس الوقت يُلوح إلى إمكانية التفاوض والوصول إلى حلول دبلوماسية مُرضية للطرفين وبحيث يستطيع كل منهما ادعاء النصر أمام الرأي العام في بلده.

وبالرغم من كل ذلك فإن حربًا قد تقع بسبب سوء التقدير وسوء الادراك أو لتدخل طرف اقليمي آخر يَكون من مصلحته اشتعال الموقف في المنطقة وشن الحرب . وأكبر مثال على هذا النوع من الحروب هو الحرب العالمية الأولى والتي لم يكن أي من أطرافها قد سعى أو خطط لها فكانت بحق حربًا لم يُردها أحد.

الهاشتاج
الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة World News ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI