20 إبريل 2024 م


9 يوليو 2019 م 1675 زيارة

عربية WORLD NEWS:

تعوّدنا منذ فترة على المناوشات بين إسبانيا وبريطانيا وتنازعهما حول السيادة على صخرة جبل طارق إلا أن المياه سرعان ما تعود لمجاريها لاعتبار مكانتهما في الاتحاد الأوروبي، و لكونهما  ظلتا إمبراطوريتان  خبيرتان في تدبير خلافاتهما على مناطق نفوذهما إلى عهد قريب .  لكن قرار بريطانيا الانسحاب من النادي الأوروبي قد أعاد هذا الملف إلى الواجهة لكون إسبانيا تراها فرصة لا تعوض  لمحاولة بسط سيادتها على الصخرة الاستراتيجية و الأكيد أن  بريطانيا ستستميت لتجنب هذا السيناريو لأنها تدرك أكثر من غيرها  أهمية مستعمرتها القديمة وترى كل تنازل في هذه القضية تفريطا في سيادتها وهو ما ظل البريطانيون يشتكون منه منذ انضمامهم  للمجموعة الأوروبية ويقولون إن الشخصية البريطانية الفريدة قد تعرضت للعطب؛ هذا العطب ربما يجد  صداه في رئيسة الوزراء الحالية “تيريزا ماي” التي ربما رضخت  للضغوط الإسبانية قبل تسريحها من دول الوحدة الأوروبية.

للوهلة الأولى يبدو حادث  إقدام البحرية البريطانية وقوات خفر سواحل حكومة جبل طارق  على احتجاز سفينة شحن ضخمة على متنها حسب ما تناقلته وكالات الأنباء 300 ألف طن من النفط الإيراني بالحدث العابر شأنه شأن حادث اصطدام غواصة نووية بريطانية بسفينة شحن عند مدخل المضيق  في يوليو 2016 والذي تم تجاوزه بعد أن بادرت بريطانيا لتقديم اعتذار رسمي  للسلطات الإسبانية لأن الهواجس حينها كانت أمنية أكثر من أي اعتبارات أخرى.

وفي العدوة الجنوبية للبحر المتوسط و قبالة صخرة جبل طارق  تعود بنا الذاكرة  إلى سنوات التسعينات وكيف نشرت إسبانيا خريطة الأهداف العسكرية المحتملة لسفنها الحربية عندما عاد المغرب ليُذكِّر العالم بحقه التاريخي والطبيعي في استرجاع مدينتي سبتة و مليلية  وجزر أخرى استكمالا لوحدته الترابية .  نتكر أيضا  أزمة جزيرة “تورة” أو جزيرة” ليلى” التي  اندلعت  في يوليو 2002 ؛  وذريعتها  هذه المرة كانت نزول قوات من الدرك الملكي المغربي على الجزيرة   في مهمة روتينية، كل وثائق الأرشيف الإسباني وكل المواثيق الدولية أكدت وقتها أن تلك الجزيرة التي تبلغ  مساحتها عن 13 هكتار ولا تبعد عن الشاطئ المغربي سوى 150 متر أرضا مغربية، نذكر حينها كيف عربدت رئيسة حكومة إسبانيا آنذاك  ” آنا بالاثيو” وكيف كانت تخاطب وزير الخارجية المغربي محمد بن عيسى بتلك الطريقة المهينة. نستحضر  أيضا  كيف أسرعت مدريد إلى تعطيل اتفاقية الصداقة والتعاون المشترك التي كان قد وقعها البلدان الجاران في شهر يوليو 1991  وكيف تم الإعلان  بعدها مباشرة عن حالة الاستنفار في صفوف القوات المسلحة الإسبانية.

  الآن في  أزمة  السفينة التي كانت بصدد عبورها مضيق جبل طارق على اعتبار أنه ممرّ مائي دولي نجد إسبانيا تتريث أكثر من اللازم  لتُعلن أن بريطانيا أخطأت في التعرض لناقلة الشحنة النفطية الإيرانية  لأنها كانت بصدد عبورها المياه الدولية المفتوحة. إسبانيا هنا همها الأكبر  ألا تتلقف بريطانيا صمتها حول ما يجري بشكل خاطئ؛ ليس إلا.

هنا يفرض السؤال نفسه كيف تعتمد   الحكومات الإسبانية المتعاقبة على مكيالين مختلفين في علاقاتها الثنائية مع المغرب من جهة ومع بريطانيا من جهة أخرى..؟ حتما هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة.. هل هي الاستهانة بالمملكة المغربية التي رغم استقلالها  مازالت مستنزفة  يفرض عليها أصدقاؤها التاريخيون  إملاءاتهم وشروطهم كلما سمحت الظروف وسنحت الفرصة ..؟. ما يعيبه المغرب دوما على السياسة الأوروبية عموما و على إسبانيا على وجه الخصوص هو النظرة الفوقية في التعامل؛ هو الازدراء والتنكر للمغرب كشريك له كيان وله أكثر من ذلك تاريخ لا يباع ولا يشترى بالصفقات أو بالأموال.. كل هذه السنوات التي مرت منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي  لم تكن كافية لإسبانيا – ولغيرها من دول الاتحاد – لتقتنع أن المغرب يستحق اعتباره شريكا كامل الأوصاف وليس صديقا هامشيا  وخفيرا يصد  أفواج  المهاجرين  ويراقب حركة تجارة الممنوعات و كل نشاط مشبوه يتهدد الأسياد على الضفة الشمالية. كان لابد أن يحظى المغرب من قبل الأمة الإسبانية بالإنصاف الذي يستحقه  لأنه أيضا  أمة عظيمة  ؛ طبعا  الشعب الإسبان الأغلبية الساحقة من المثقفين؛ والمنتمين إلى مختلف الهيئات السياسية الذين يؤمنون بالإنصاف يشهدون في كل المحافل  أن إسبانيا أصبحت لا تكاد تذكر بمعزل عن ذكر المغرب؛ وهو حتما ما كان يستحضره  محمد بن عيسى في معرض حديثه لنظيرته الإسبانية ؛ المغرب و إسبانيا تجمعهما وحدة المصير ولأنهما يشكلان معا عنوانا حقيقيا  للحضارة.

المناسبة شرط كما يقال؛ لذلك وجب التذكير أن كل الخبراء الأوروبيين والدّوليين قد سبق لهم وأكدوا لبريطانيا و إسبانيا أنهما الدولتان الوحيدتان في العالم اللتان مازالتا لم تبذلا جهودا كافية لطيّ ملفّ مستعمراتهما القديمة؛ وأن نزاعهما المستمرّ على جبل طارق والتوتر الذي تشهده العلاقات الإسبانية المغربية بين الفينة والأخرى قد يسبب للاتحاد الأوروبي أزمات كبرى في المستقبل.

 لكل هذا؛ ولكون المغرب دولة كاملة السيادة وشريكا للجارة إسبانيا في حماية حركة الملاحة الدولية في هذا الممرّ المائي الحسّاس من جهة الضفة الجنوبية؛ من حقّه أن يُعلن للعالم أن بريطانيا قد خالفت القانون الدولي حين قامت باعتراض و احتجاز سفينة الشحن النفطية “جريس 1 ” وهي بصدد عبورها المضيق في طريقها إلى حوض البحر المتوسط بذريعة أنها تحمل شحنة  من المحتمل أن تتّجه بها  إلى السواحل السورية باعتبار أن ذلك خرق للعقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على الدولة السورية؛ يا لها من ذريعة ..  إنه عذر فاضح أقبح من زلّة بكل المقاييس  لسبب وجيه؛ كونها عقوبات تخالف القانون ما دامت لم يقرّرها  مجلس الأمن الدولي وهو الوحيد الذي يتولّى الأمر ويستفرد بهذا الاختصاص. فوق كل هذا؛ أكدت وسائل إعلام عالمية أن البحرية البريطانية اعتمدت في هذه العملية على بارجة حربية و طائرة مروحية  على متنها قوات خاصة أنزلت الحبال و أشهرت السلاح لترويع طاقم سفينة ترفع علما باناما؛ وهنا تكتمل هنا كل شروط الفضيحة؛ دولة عظمى تمارس القرصنة في وضح النهار لحساب دولة أخرى عظيمة.

 إنها مسألة حيوية بالنسبة للمغرب لأنها تمسّ بالسيادة سيما وأن الصراع الدولي حول الممرات المائية الكبرى أخذ يتجلى ويحتدم  شيئا فشيئا؛ ولنا في ساحل المحيط  الهندي مثل يفرض علينا نفسه ها هنا؛ سيريلانكا ترفض طلبا أمريكيا للسماح للسفن الحربية الأمريكية بالرسو بالسواحل السيريلانكية.. هناك مثال آخر يحضر صارخا -هذه المرة-.. يتذكر كيف استنفرت الدول المتقدمة جيوشها البحرية لحماية سفنها التجارية حين تعرضت لقرصنة بضعة شبان صوماليين في مقتبل العمر يمتطون  زوارق مطاطية صغيرة ويحملون أسلحة خفيفة تقليدية؛  هؤلاء وهم يتعاطون هذه الهواية الخطيرة كانوا يفرضون  بوعي أو بتلقائية كاملة  احترام الدول العظمى لسيادة دولة الصومال؛ وإن ظلت لسنوات طويلة دولة عربية إفريقية جائعة منكوبة. لابد أن تكون الدولة المغربية صارمة بخصوص مثل هذه الأحداث وإلا ستصبح مستقبلا لا قدر الله  في مرمى الأطماع الأجنبية؛ وسط عالم أصبحت فيه الدول العظمى – التي أسست للنظام العالمي  وصاغت قوانين تفصل بين المتخاصمين وتحفظ السلام  –  دولاً تتملّص من الاتفاقيات التي وقعتها  ودون مواربة؛ تتنصّل من كل مسؤولية.

فاس

المغرب

الهاشتاج
الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة World News ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI