25 إبريل 2024 م


19 ديسمبر 2019 م 1577 زيارة
بقلم آمين تاكي سويسرا الحياة لاتُعطي المحتاج الحياة تُعطي المُستحِق قبل ثلاثة ايام دخلتُ الجنة بعد أن قضيتُ عقوبة في الجحيم استمرت على مايزيد عن إثنين وثلاثين سنة. عقوبتي في الجحيم لم تكن بسبب ذنوب قد إرتكبتها شخصياً ، لكن سبب العذاب هو أني اتيتُ الى هذه الحياة بهوية عربية ، هذا هو الذنب ، وهو لم يكن إختياري خرجتُ من الجحيم بآثار جروح بليغة ، وجِلد قد إنسلخ عن لحمي لمئآت المرات. ممتلىء بذكريات اللهب والتصدُعات ومخاطر وقسوة الحياة النارية. كأنني كنتُ اعيش في وسط بركان مشتعل من البديهي هُنا (في الجنة) أن تلمس الملائكة بأصابع يديك ، وأن تعانقها كذلك. لا لغو ولا فسوق ولا جدال ، مالاعين رأت ولا اذن تسمع القيل والقال ، ولا خطر على قلب بشر في كل الإتجاهات توجد أراضٍ خضراء يجري على إمتدادها الخيل سبعين الف عام ، فلا يجتازها. وعلى مد البصر جبال تكسوها الاشجار والغيوم. اما جبال الألب التي تكسوا قممها الثلوج ، فإنها تسلب حواسك لمجرد النظر إليها ثلوج وغيوم وامطار شديدة النقاء والبياض ، مثل قلبي تماماً. قسماً بالله في اليوم الثاني من وصولي ، رغبت بالذهاب الى احد الاماكن البعيدة عن منطقة فالور ، في الطرف الآخر من المدينة تحديداً ، حيث سأعيش هناك. لكني لم اكن اعرف طريق الذهاب ، ولا امتلك تذكرة للمواصلات دخلت الى مأوى في فالور ، اخبرتهم انني جديد في هذه البلاد ، فتم منحي تذكرة مواصلات وخارطة تقودني الى المكان الذي اعيش فيه الان. لكنني لم استخدم تذكرة المواصلات على الاطلاق ، ولم يسألني احد عنها ركبتُ الحافلة الاولى واخبرت السائق انني اريد الذهاب الى العنوان المكتوب في الخارطة ، فقال لي بلغته الفرنسية : اجلس في المقعد. لم افهمه الا حين لمح لي بيده للجلوس سمعتني إمرأة اتحدث العربية ، فأتت بإتجاهي من المقاعد الخلفية ، واخبرتني : الى اين تريد الذهاب؟ فقلت لها بأنني جديد في سويسرا ، ولا اعرف الاماكن واريد الذهاب الى العنوان الذي في الورقة. قالت لي بأنها ستنزل في المحطة القادمة ، وانا سأنزل حين تتوقف الحافلة في المحطة الاخيرة ، ومن هناك استخدم القطار هذه المرأة سويسرية ومتزوجة برجل جزائري كما اخبرتني ، وانها تعلمت منه اللغة العربية. حين نزَلّت من الحافلة ودعتني بجملة "مع السلامة" وهي تبتسم في وجهي إبتسامة بطول وعرض الجزائر كلها مضى اكثر من نصف ساعة حتى وصلّت الحافلة الى المحطة الاخيرة ، وحين نزلتُ منها ، ودعني السائق بجملة "السلام عليكم".! فقلت له "ميرسي بوكو" إستوقفتُ شاب سوداني بعد نزولي من الحافلة ، وطلبت منه اخباري عن مكان القطار الذي يقودني الى "بيغو" فسألني : من اين انت؟ قلت له انا من اليمن وصلتُ اليوم الى سويسرا ولا اعرف كيف اذهب الى هذا العنوان قال لي مالقيت شخص غيري تسأله ياعربي؟! قلت له انا اسف لكني سمعتك تتكلم عربي فأعتقدت بأنك ستدلني فقط ، ولم اطلب منك مساعدة اخرى.! فكان بجوارنا إمرأة كبيرة في السن ، عمرها على مايبدوا في الستين لا ادري ماذا قال لها بلغة فرنسية ، فنظرت بإتجاهي نظرة باردة ، لكني قلت لها : i'm lost ورفعتُ الورقة في وجهها واشرتُ بإصبعي على المكان الذي اريد الذهاب إليه ، قلت لها : إكس كيوز مي ، هيلب مني قالت : آر يو لوست؟ فأجبتها بالفرنسية : وي. وفي لمح البصر اختفى من امامنا السوداني.! إبتسمت المرأة وسألتني ما اذا كنت اتحدث الفرنسية ، فأجبتها بالنفي ، ولكنني اتحدث الانجليزية قليلاً إصطحبتني الى محطة القطار السريع العام ، واشارت لي بأن اتبعها. جلستُ في المقعد المقابل لها ، ومضت الرحلة على مايزيد نصف ساعة. كان القطار فخم كأنه مخصص للطبقة الراقية فقط ، ولأول مرة في حياتي اركب قطار سريع ينحني على اليمين والشمال مثل قطارات الملاهي ، ولكن بشكل خيف كنت ارى الجبال والنهر والاماكن واشعر بالنشوة وكنت اريد البكاء حينها ، لو لا خجلي من المرأة التي امامي. لم اكن ارغب في البكاء امامها كي لاتظن بأنني استعطفها او ربما تظن انني سأطلب منها المال. في الواقع لا ادري لماذا خنقتُ مشاعري ، وكيف كنت افكر حينها على كل حال ، وصلنا الى منطقة إسمها "نيوشاتيل" قالت لي بأنها تسكن هنا ، لكنها ستكمل معي المشوار حتى اصِل الى وجهتي البعيدة.! حينها امسكتُ حقيبتها الكبيرة التي كانت بيدها ، وقلت لها بأني سأحملها بدلاً عنها ، فوافقَت مشينا من محطة القطار السريع الى منطقة القطار العادي ، وجلسنا امام بعض في المقاعد بالجهة التي تُطل على المباني ، وحين تحرك القطار ، رأيتُ في الجهة الاخرى منظر الجبال والنهر ، فلمعَت عيوني. قالت لي : هل تريد ان نذهب للجلوس في المقاعد الاخرى؟ فهززتُ رأسي كالأطفال والفرحة تغمرني حتى آخر نَفَس انتقلنا الى المقاعد المواجهة للجبال والنهر ، وكانت تنظر إلي وتبتسم إبتسامة أُم لطفلها الذي أهدته لعبة ، تلك المناظر جعلتني "اتنهد" من الاعماق ، ففاتحتها بالحديث اخيراً سألتها عن إسمها ، فقالت : جا . كو . ليييين لم افهمها في البداية ، فعادت تهجئة الإسم وانا أُردد خلفها : جا. جا. كو. كو. لين. لين. جاكولين ، قُلتُها. فإنفجرت بضحكة طويلة ، ضحكة السعادة قلت لكم من قبل ، إنها أُم. إنها أُم تُراقب تصرفات طفلها ، وتسعَد بأول كلماته وحين سألتني عن إسمي ، قلت لها : أمين. وانا عربي من اليمن ، وهذا يومي الاول في سويسرا. حينها توقف القطار في محطته الاخيرة في منطقة "بودري" فنزلنا للجلوس على كراسي المحطة ، ننتظر الحافلة شعرتُ بالبرد ، وادخلتُ يداي في جيب الجاكيت بعد ان نفختُ عليهما هواء دافىء من فمي وفركتهما ببعض. سألتني ما اذا كنت جائع او ارغب بالقهوة ، لكنني قلت لها شكراً وبأني لا اريد تركَت حقيبتها بجواري وطلبت مني ان لا اذهب الى اي مكان. كانت تعلم ان الحافلة ستأتي بعد ثمانية دقائق ، كما هو مكتوب في اللوحات الإرشادية التي لم اكن اعرفها من قبل ، فذهبت وتركتني لثلاثة دقائق حين عادت ، كانت تحمل بيدها كوب قهوة ساخن ، قدمته إليّ وهي تبتسم ، حينها لم استطع الصمود امامها. هذه المرأة قامت بإرشادي على الطريق ، بينما السوداني العربي تجاهلني وسخر مني. هذه المرأة تقيم في منطقة بعيدة عن المكان الذي اريده ، لكنها رافقتني رغم ذلك ومازالت ترافقني لم استطيع التحامل على مشاعري اكثر ، فبكيت. بكيت بكل حق ، بكاء نزيه قسماً بالله. عانقتني وطبطبت على ظهري ، فشعرتُ بالخجل لانني لم اكن ارغب بهذا ، إنما كان ردة فعل إنضمت إلينا إمرأة تمشي على عكاز ، عمرها على مايبدوا في السبعين او يزيد على ذلك ، قدمت لي "كرواسان" وطبعت قُبلة بيضاء على اصابع يدها ، وغمزت بعينها ، ونفختها بإتجاهي اقسم بكل جمال الطبيعة ، بكل إنسانية العالم ، بكل الحب ، انني شرعتُ ببكاء وضحك لا استطيع وصفهما. كنت ابكي واضحك والمرأة التي رافقتني في الطريق تضحك بسعادة لامثيل لها. كانت سعيدة اكثر مني وصلت الحافلة ، وجاءت بنت شابة تركض بإتجاهي انا وجاكولين ، واخرجت من حقيبتها الصغيرة "كفوف" يد صوفية ، فضحكنا نحن الثلاثة ، إضافة الى دموعي. عانقت الشابة امام بوابة الحافلة ، عناقاً اخوياً حقيقي بعد عشر دقائق في الحافلة ، نزلنا انا وجاكولين تلك المرأة الرائعة في المحطة المقابلة للعنوان المكتوب في ورقتي ، قالت لي هذا هو عنوانك ، وعانقتني عناق الوداع ، فصعدَت هي في الحافلة التي ستذهب عكس الطريق ، ستذهب الى منزلها في نيوشاتيل بعد ان صنعت سعادة لنفسها اولاً وليّ ثانياً صعدت الى الحافلة ، واشارت إليّ من خلف زجاج النافذة بعلامة التوديع ، تلويح سريع بكف يدها وإبتسامة تغشاني ببهجة حتى هذا اليوم هذه هي الجنة ، وهؤلاء هن الملائكة الحياة قدمت لي الكثير من العطاء للوصول الى هذه البلاد اتذكر قبل خروجي بيومين من مدريد ، كنت ارغب بشراء "بِجامة" داخلية تقيني من برد سويسرا ، لكني نسيت فكنا نمشي في طريق العودة الى السكن انا واصدقائي ، وكنت اخبرهم اني اخاف من برد البلاد التي سأذهب إليها ، واني نسيت شراء البجامة. وفي تلك اللحظة ، وجدتُ ملابس على كرسي في الشارع كانت عبارة عن ثلاثة بِجامات وبنطلون صوف.! كانوا موضوعين بطريقة مرتبة على الكرسي ، اخذتُ بجامتين وتركت واحدة والبنطلون ، كنت اضحك بسعادة وفرح وكأن الدنيا تقول لي : لاتهتم بالامور البسيطة ، فسأوفرها لك ، فإذهب مباشرة بإتجاه هدفك الدنيا لم تعطيني لأني محتاج الدنيا اعطتني لأني استحق
الهاشتاج
الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة World News ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI