14 ديسمبر 2024 م


28 أكتوبر 2024 م 91 زيارة

 

 

الورقة التي وضعتها ذراع حزب PYD المسماة اختصاراً “مسد” على طاولة مؤتمر بروكسل المنعقد يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من شهر أكتوبر الجاري تحت تسمية “نقاط تمهيدية وإجراءات لبناء الثقة” هي ورقة تريد في بندها الحادي عشر تثبيت الواقع كما هو في المناطق السورية المختلفة.

تثبيت الواقع، أي شرعنة وجود سلطة ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” والبناء على هذا الواقع كما هو، في وقتٍ لا يمكن النظر إلى سلطة الأمر الواقع هذه إلا من خلال مشروعها السياسي المرتبط بمشروع الحزب الأم حزب PKK المصنّف كميليشيا إرهابية.

مؤتمر بروكسل ليس أكثر من محاولة فاشلة للالتفاف على دور ومهام مؤسسات قوى الثورة السورية المعترف بها من المجتمع الدولي “الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض السورية”، والتي تمثّل سياسياً موقف كل قوى الثورة والمعارضة، وتحديداً التمسك بالحل السياسي على قاعدة القرار الدولي 2254 الصادر بتاريخ الثامن عشر من كانون الأول عام 2015.

البند الأول الذي ورد في ورقة النقاط التمهيدية وإجراءات بناء الثقة وهو “وقف إطلاق نار شاملٍ ونهائي”. والتساؤل من سيأمر بوقف إطلاق النار؟ وكيف سيعود النازحون إلى مناطقهم وبيوتهم دون خوفٍ من الاعتقال والقتل؟

إن حزب PYD وأذرعه المختلفة لا يهمه من عقده لمؤتمر بروكسل أكثر من محاولة شرعنة وجوده كقوة أمرٍ واقع، محاولاً تصنيف نفسه وأذرعه على أساسٍ كاذبٍ، هو أنه جزءٌ من قوى الثورة السورية، في وقت هو لعب ولا يزال يلعب دوراً معادياً لهذه الثورة، من خلال قمعه للأحزاب الكردية الوطنية السورية ومنعها من ممارسة دورها في حياة المكوّن الكردي السوري. وكذلك من خلال عدوانه المستمر على المناطق المحررة في الشمال السوري، التي تقع تحت إدارة الحكومة المؤقتة المنبثقة من مؤسسات الثورة السورية المعترف بها دولياً وأممياً.

إن محاولات PYD المستمرة بفرض مناهج تعليم على المكونات السورية هي محاولة تعكس ما ذهبنا إليه بفرض هذا الحزب غير الوطني رؤيته على الشعب السوري في المناطق التي يحتلها بقوة السلاح.

إن تقديم ورقة “النقاط التمهيدية وإجراءات بناء الثقة” إلى مؤتمر بروكسل ليست أكثر من قفزة في الفراغ، لإنها باختصار تقفز فوق أولوية تشكيل هيئة حاكمة انتقالية تعمل خلال زمنٍ محددٍ على تحقيق “الانتقال السياسي” كما نصّ عليه بيان جنيف1 والقرار 2118 والقرار 2254.

القفز فوق أولوية الانتقال السياسي في سورية يراد منه إضعاف دور الممثّل السياسي لقوى الثورة والمعارضة ونقصد دور الائتلاف الوطني السوري. فهذا الدور هو أقصى الممكن سياسياً في ظلّ الصراعات القائمة بين القوى الإقليمية والدولية المنخرطة عسكرياً وسياسياً في الصراع السوري، وإن تجاهل هذه الحقيقة لن يقود السوريين إلا إلى الضياع السياسي.

من هنا يمكن فهم أهمية إصرار الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض السورية على أولوية تنفيذ القرار 2254 باعتباره المدخل الرئيس والوحيد في ظل التوازنات الإقليمية والدولية القائمة حالياً بما يخصّ القضية السورية.

إن محاولة حزب PYD الاستفادة من الحرب الإسرائيلية على حركة حماس في غزّة أولاً، وحربها على أذرع إيران الطائفية الإقليمية لتنفيذ مشروعها، إنما هي محاولة انتهازية للاستفادة من صراع مشروعين على الأرض العربية، هما المشروع الإسرائيلي المسمّى “الشرق الأوسط الجديد” والمشروع الفارسي بأدواته المختلفة وفي مقدمتها استخدام الأيديولوجية الشيعية، والذي يريد تحويل البلدان العربية إلى تبعيات سياسية تغذي مشروع طموحات ملاليه بإقامة امبراطورية فارس الجديدة.

إن الالتفاف على أولوية الانتقال السياسي يراد منه الذهاب إلى مشروعات تقسيم سورية على قاعدة تنمية سلطات الأمر الواقع في الجغرافية السورية حالياً، وهذا هو هدف مؤتمر بروكسل الأول، الذي أعدّ له حزب PYD وسخّر لنجاحه تبديد الأموال السورية المنهوبة من بيع النفط السوري في مناطق شرقي سورية، ويريد من خلاله التأكيد على ضرورة أن تصير سورية دولة فيدرالية، ليمكنه لاحقاً من تنفيذ أجندته العابرة للوطنية.

وإن كل من يصدّق بمقولة “مسار سوري ديمقراطي” يدّعي حزب PYD بأنه يعمل عليه، إنما سيكون مثل الذي يصدّق بأن العقرب تخلّى عن وظيفة اللدغ. فهذا الحزب ليس حزباً سورياً وطنيّاً، بل هو مجرد ذراع سياسية يتحكم بها حزب PKK الكردي التركي المصنّف بالإرهابي.

حزب PYD لوكان حزباً وطنياً لانخرط منذ بداية الثورة السورية بمعتركها ضد نظام الاستبداد، ولكنه حزب تابع للحزب الأم PKK يؤمن بإيديولوجية عابرة للوطنية، وكل مساره السياسي يثبت ذلك، فهو من أطلق على مناطق شمال شرق سورية التي تسمى “منطقة الجزيرة السورية” تسمية انفصالية هي “روج آفاً”.

إن الردّ على مؤتمر بروكسل المعادي للثورة السورية جاء من كثير من القوى الثورية السورية الرافضة لأهدافه التي يتوخى الوصول إليها، ولعل أوضح ردٍ شعبي كان من ساحة الكرامة في السويداء التي أعلنت رفضها القاطع لهذا المؤتمر وأهدافه المعادية لثورة السوريين.

إن الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني سوري شامل بات ضرورة قصوى، وإن التحضير لعقده ينبغي أن يقوم به الائتلاف الوطني السوري المعترف به أممياً ودولياً كممثلٍ لقوى الثورة والمعارضة، فعقد هكذا مؤتمر سيوسع من حشد السوريين حول مرجعيته الوطنية، وسيمنع قوى انفصالية أو ذات أهداف سياسية ضيّقة من اللعب ببوصلة الحل وأولوية الانتقال السياسي.

إن قوى سياسية ليست ممثلة بالائتلاف الوطني السوري تصرّ على دوره كممثلٍ سياسي لقوى الثورة والمعارضة، وهي ترى أنه الخيمة الكبيرة التي ترعى أوسع اجتماعٍ للسوريين من خلال عقد مؤتمر وطني سوري شامل. فهكذا مؤتمر سيشكّل سدّاً منيعاً أمام محاولات قوى معادية لجوهر الثورة السورية من تنفيذ مآربها الخاصة، والبعيدة عن مصالح الشعب السوري وثورته.

الظروف تتغيّر بسرعة والهيئة السياسية للائتلاف منعقدة بصورة مستمرة لمواجهة كل التغيرات في المنطقة، وهي مدعوة لمناقشة عقد مؤتمر وطني سوري، والإعداد له مع قوى تناصر الحل السياسي على قاعدة القرار 2254 وأولوية الانتقال السياسي.

بقي أن ننصح من لا يزال يراهن على قوى عابرة للوطنية بأنها قادرة على اجتراح مسار وطني ديمقراطي يزيل الاستبداد أن يراجع فهمه وفكره وطبيعة هذه القوى.   

 

الهاشتاج
الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة World News ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI