28 مارس 2024 م


د. كمال الهلباوي
4 أكتوبر 2019 م 1331 زيارة

عربية WORLD NEWS:

الأوضاع فى مصر تفرض نفسها لمكانتها وتأثيرها على الأقل فى المحيط العربى، وهناك من يراها قلب العالم العربى، فإن عوفيت أو أصابها مكروه، إنعكس ذلك على العالم العربى قوة أو ضعفا.  ولذلك فإن القراءة الموضوعية للأوضاع فى مصر ومن حولها من الأوطان، تشير الى القلق- أوطان سايكس بيكو- بدلا من الأمة.  إذ أنه لا يخفى على عاقل، ولا حتى مجنون، تدهور الأوضاع وخصوصا الإجتماعية بما فيها الأخلاقية، والإقتصادية والسياسية التى يهتم بها الناس أكثر، رغم خطورة الأوضاع الإجتماعية التى لا يلتفت لها كثير من الناس، وبعضهم يرى التغريب بما فيه من سيئات مكسبا.

أقول هذا رغم المشروعات العديدة التى قامت، ومنها ما هو ضرورى فى عهد السيسى، ومنها ما هو عبء على الدولة.  وكثير منها خارج نطاق الأولويات المطلوبة فى مصر، وخصوصا فى ضوء متطلبات الثورتين الكبيرتين يناير ويونيو، رغم الاختلاف القائم فى ذهن بعض دوائر المعارضة وبالأخص الإسلامية التى ترى ثورة يونيو انقلابا عليها وعلى الشرعية.  ونسوا أن قيادات ثورة يناير، كانوا على رأس ثورة يونيو، وإن إنضم كثير منهم الى المعارضة فيما بعد، تحت حكم السيسى بسبب زيادة الفساد والتخلف والتفاوت الطبقى وإرتفاع الأسعار مع المديونية الكبيرة، بل والارهاب. كان حراك (٢٠) سبتمبر كاشفا لمن يريد أن يتعظ وخصوصا الرئيس السيسى لأنه المسؤول الأول فى الدولة.

أما بالنسبة للتفكير فى المستقبل اللائق بها، أى بمصر، فهو من الواجبات علينا جميعا، وخصوصا على المصريين فى الداخل والخارج. هذا واجب العصر، بلا مزايدات ولا أوهام ولا أحلام كاذبة.  وفى هذا تتعدد الرؤى الإصلاحية، ولكنها لا بد أن تأتى من المختصين وليس من المنافقين والمهرجين ، وخصوصا فى الاقتصاد والإعلام والسياسة.فضلا عن الأخلاق. منع السيسى فكرة التعدد، وحال بين الشعب وسماع الرأى الاخر،(متسمعوش كلام حد غيرى). وبهذا يتحمل كل المسؤولية والنتيجة.

حراك سبتمبر فى مصر كشف حقائق مهمة جدا يجب على السيسى أن يعيها وكذلك المعارضة، لصالح الوطن الكبير وليس لصالح مشروعات ضيقة. الذين خرجوا فى هذا  الحراك ضاقوا ذرعا بالفشل رغم أن كثيرا منهم لا يريد عودة المعارضة من الخارج ولا بقاء هذا النظام. ولا يمكن وصفهم بالاسلاميين ولا بالارهاب. الحراك فى مصر نتاج حقيقى للضيق والفشل، وإن جاء إستجابة لدعوة المقاول الفاسد (محمد على).  على السيسى أن يدرك القشة التى قصمت ظهر البعير.

هذا أوان الإصلاح الحقيقى وليس الإصلاح المتوهم من الفاسدين. هذا أوان الحوار وتعيين العدو الحقيقى وليس العدو المتوهم. وفى هذا تفصيل كبير. تتعدد الرؤى فى الحوار، رؤى الخبراء والمستشارين التى يجب أن يستمع اليها الحاكم فى مصر وغير مصر حتى يبدأ الإصلاح.  الشعب المصرى يبحث عن زعامة أو على الأقل قيادة تقوده الى النجاة ، الشعب المصرى لديه قناعة حاليا  بالحاجة الى زعامة أو قيادة يسير خلفها، تعطيه الأمان ويعطيها الثقة الكاملة.وتوفر له لقمة العيش الكريم والحريات والشفافية والخروج من الفساد بكل ألوانه. ولهذا كان الحراك الشعبى فى سبتمبر. يتضح هذا ممن وثقوا فى المقاول الفاسد (محمد على) الذى كشف واقع، شيء من الفساد الذى شارك هو فيه من خلال مشروعات قصور الرئاسة أو القوات المسلحة. هذا الفساد عندما أشار اليه المستشار جنينة تعرض للبلطجة والسجن والظلم الفاضح، لأن إشارته الى الفساد تمس أو مست بعض المسؤولين.

السنوات التى تلت ثورة يناير شهدت تطورات كثيرة، أبرزها حاليا:

  • دستور مارس ٢٠١١. الحوار بين الثوار والحكم العسكري. إستمالة بعض الثوار. ثورة ليس لها قيادة واحدة بل قيادات. حكم الاخوان المسلمين. ثورة يونيو. آمال عريضة لم تتحقق ثم  ثقة الشعب الضعيفة فى تلك الأمال والأوضاع القائمة وخصوصا بعد تعديل الدستور مؤخرا.

  • معاناة غالبية الشعب فضلا عن تعب وقلق  فاقتا كل تحمل لدى قطاع عريض من الشعب. وخصوصا من الشرائح الاجتماعية الدنيا والمتوسطة.

  • على الجانب الآخر فإن مشروعات الخلاص المطروحة حتى التى لدى المعارضة لم تحقق الخلاص المطلوب. بل إن معظم المعارضة سارت وراء سراب محمد على، وظنته الخلاص رغم مشاركته بإعترافه فى مشروعات الفساد التى أشار إليها. بما يؤكد خللا فى التفكير، وفى المشروع المطروح أو يُبين نقصا شديدا أو فراغا، كان ينتظر محمد على ليملأه.

  • هناك بكل تأكيد فشل فى مشروعات النظام والمعارضة، وهناك فراغ موجود يحتاج الى من يملؤه ضمن مشروعات الخلاص. وهو ما أسميته سابقا بالطريق الثالث. كما دعا الدكتور أيمن نور الى حوار مجتمعى شامل. وهو مشروع عظيم للتعاون والخروج من الصراع وبلورة مشروع للانقاذ. ولكن معظم رموز الحركة الوطنية بالداخل، تحفظت على المشاركة الفاعلة في هذا المشروع ، لأسباب لا تخفى على عاقل.ولا يزال الباب مفتوحا لمشاركة المصريين الموثوقين فى الخارج وفيهم كثير من الكفاءات التى تحتاج اليها مصر وخصوصا اليوم. ولكن بعض دوائر المعارضة فى الداخل والخارج كانت لمشروعات الإنقاذ بالمرصاد.لأننا تعلمنا الهدم ولم نتعلم الحوار. وتعلمنا الصراع وتعلمنا تدمير أنفسنا وبلادنا أكثر من البناء. تركنا عقلية المستقبل الى عقلية الفتن والعدو المتوهم.  نفس مفهوم الرئيس الأمريكى الأسبق بوش الإبن: من ليس معنا فهو ضدنا.

الفراغ الموجود يحتاج الى من يملؤه كما أشرت سابقا وكما تحدثنا  فى عدة مناسبات، ولكن المكلوم لا يلتفت الى المستقبل ، ويظل يعيش فى مظلوميته التى ينشئها أحيانا طلبا لراحة النفس وليس علاجا  للتحديات القائمة. والفاسد الظالم لابد أن يجد من يرده ولو بعد حين.

لغة العصر هى الاعلام. والمفقود حاليا الإعلام الموضوعى المستقل زماناً ومكاناً. الإعلام الذى يركز على مصر وقضايا الامة حتى نخرج من التحديات الكبيرة، وفى مقدمتها التخلف والفساد والارهاب والهيمنة والاحتلال وخصوصا فى فلسطين.الاعلام المستقل الذى يثق فيه الشعب ويستفيد منه. لعل هناك من بين من يريد مصلحة الوطن وحريص عليها، من يمكن أن يساعد فى هذا المشروع المستقل عن كل ما هو قائم حاليا.والحريات تفتح له الباب.  ليس هناك فى المشروع الجديد صراع مع ما هو موجود. بل ليس هناك صراع على الإطلاق. إنما بيان وتوضيح للإصلاح، ومن الإصلاح التغيير.(إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ”.   قل كل يعمل على شاكلته ووفق قناعاته دون تعارض. وعلى الشعب أن يختار وكما يقول المثل المصرى: اللى يشيل قربة مخرومة تخر على راْسه.

المشروع المطلوب هو مشروع للبناء وتشكيل المستقبل. والحديث مع الشعب بلغة وأدوات وأشخاص وأماكن، يفهمها ويوافق عليها غالبية الشعب، ويسير معها فى طريق البناء متجاوبا مع الإصلاح. والتغيير من صلب الإصلاح. كما قلنا سابقا فى مرات عديدة. والصراع يضيف الى الهدم ولا يضيف الى البناء.

وقد يفرز هذا المشروع قيادة وطنية جديدة، لم تشتبك فى الصراع الموجود، ولم تتسبب فيه، يثق فيها الشعب ويسير معها، ويتجاوب معها تفاديا للبروز المفاجيء لمشروعات أو قيادات قد نندم علي السير فى فلكها، ولا نعرف ما وراءها. مثل ما حدث مع مشروع المقاول الفنان محمد على، كما قالوا عنه. وقديما عابوا على من يتخذ الغراب دليلا. وكانوا على حق.

الفراغ القائم فى مصر، يحتاج من يملؤه بالعقل والحكمة بعيدا عن الوقوع فى الصراع الوطنى أو الاقليمى أو العالمى. وهى قضية تحتاج تكاتف الحركة الوطنية والخروج من شرنقة المشروعات الضيقة.

المشروع للبناء، بناء المستقبل، ولا يدخل فى الصراع المدمر، ولا يضيف تبعات وتحديات جديدة، ولا يقود الى المطاردة ولا السجون والمعتقلات بإذن الله تًعالى، ويعمل القائمون عليه بالتدريج مستفيدا من الكفاءات المصرية العديدة فى العالم، وبلغة راقية ومتحضرة ، يوضح الطريق وفى المقدمة، منه، الإصلاح السياسى والاقتصادى والأخلاقى الاجتماعى، طريق الإصلاح والتغيير. ولا يقتصر عليه. هذا واجب العصر أو جزء منه كما أراه. كل ذلك بعيدا عن الكراهية والحقد والعنف والتشدد والتطرف والتكفير، الذى نتج عن الصراع، حتى فى اللغة فى كل وسائل الاتصالات الحديثة التى نستخدمها ولا نعرف أسرارها.  ولم ينجو من ذلك الصراع، حتى بعض الدعاة، سواء كانوا مع النظام أو المعارضة.

أقول للشعب المصرى، المطلوب هو تغيير النظام وليس هدم المسجد. نظام الحياة وليس النظام السياسى فقط. وأقول للسيسى والمعارضة ، تعلموا الدرس من سوريا التى تقطعت أوصالها بسبب الصراع، ثم تلتقى المعارضة والنظام- بعد خراب مالطة- فى لجنة جديدة مشتركة لعمل دستور جديد.

وبالله التوفيق والنجاح. وتًحياتى.

كاتب مصري مقيم في لندن

الهاشتاج
الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة World News ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI