World News عربيه: غزة بين انتصار الفرح وواقع الحرب: هل التحرير أكمل رسالته؟
في صخب التاريخ المُرهَق بالنكبات والانتصارات المتقطعة، تخرج غزة مرة أخرى من رماد الحصار والحرب لتحيا لحظة فرح نادرة. لحظة اختلطت فيها الزغاريد بدموع الأمهات، وتحولت الأزقة المدمرة إلى مسارح احتفال، بعدما عادت بعض الرهائن إلى أحضان عائلاتهم. ولكن، هل هذا انتصار أم مجرد استراحة قصيرة في سباق الألم الطويل؟
فرحة تُشبه انتصارًا
عندما يعود أسير أو رهينة إلى وطنه، فإن الفرحة تصبح فعلًا مقاومًا، كأن الحرية انتصرت ولو للحظة. غزة، التي اعتادت الحصار والقصف، عاشت أيامًا من الابتهاج المشوب بالحذر. الرايات رفرفت في الأزقة، والوجوه اكتست بالأمل. ليس لأن المعركة انتهت، بل لأن الإنسانية انتزعت مساحة صغيرة داخل معركة أوسع وأعقد.
الرهائن الذين عادوا لم يعودوا بمفردهم؛ حملوا معهم رسالة صمودٍ وصبر، وكأن خروجهم من القيد انتصار لكل فلسطيني يرى في تحرير الأرض والإنسان أسمى الأهداف. في هذا السياق، بدا الأمر كأن غزة تقول: “قد نُحاصَر، قد نُقصَف، ولكننا لن نتخلى عن كرامتنا”.
السؤال الأصعب: ماذا بعد؟
لكن خلف الاحتفالات يكمن سؤالٌ ثقيلٌ: هل انتهت الحرب؟ أم أن ما نراه هو مجرد محطة أخرى في طريق طويل؟ الأعداء يُعيدون ترتيب أوراقهم، والخطط العسكرية تُنقح من جديد. وقف إطلاق النار المؤقت أفسح المجال لتبادل الأسرى والرهائن، ولكنه لم يُنهِ الاحتلال أو يُغير موازين القوة بشكل جذري.
تدرك غزة، كما يدرك كل من يعيش في ظل الاحتلال، أن العدو لا يقدم تنازلات بلا مقابل. تبادل الرهائن يُمكن أن يُقرأ كنجاح مؤقت للمقاومة، ولكنه في الوقت ذاته يُنذر بحرب جديدة قد تكون أشد ضراوة. تلك هي طبيعة الصراع في فلسطين: سلسلة من جولات المقاومة، والانتصارات الصغيرة التي تؤكد على حق الشعب الفلسطيني، مقابل آلة احتلال لا تتوقف عن التخطيط.
هل يُقاس الانتصار بالأرقام؟
قد يرى البعض أن الإفراج عن بضع رهائن لا يكفي لتسميته انتصارًا. ولكن في غزة، لا يُقاس الانتصار بالأرقام أو المكاسب المادية، بل بالمعاني. أن يعود أسير إلى حضن والدته، أن تُفتح نافذة أمل صغيرة في جدار من اليأس، أن تحتفل أمٌ بعودة ابنها رغم أن بيتها قد دُمّر… هذا وحده انتصار.
الاحتلال يملك طائرات ودبابات، ولكن غزة تملك ما لا يمكن قصفه أو حصاره: إرادة الحياة. كل فرحة تُنزع من بين أنياب الحرب هي رسالة أن الشعب الفلسطيني لا يزال يقاوم، ليس فقط بالسلاح، ولكن بالأمل، بالحب، وبالإصرار على أن الحرية ليست حلماً مستحيلاً.
بين الفرحة والحذر: درس غزة
الفرح الذي عمّ غزة لم يكن فرحًا أعمى. أهلها يدركون أن الاحتلال لا ينام، وأن الحرب التي توقفت مؤقتًا قد تعود في أي لحظة. لكنهم، مع ذلك، احتفلوا. ليس لأنهم واهمون بأن الصراع انتهى، ولكن لأنهم يفهمون أن كل لحظة فرح هي رفضٌ للاستسلام.
غزة اليوم تعلم العالم درسًا في كيف يمكن للفرح أن يكون جزءًا من المقاومة، وكيف يمكن للحظة إنسانية صغيرة أن تُضيء طريقًا مظلمًا. ولكنها في الوقت ذاته تُذكّر الجميع أن الصراع لم ينتهِ، وأن النصر الحقيقي لن يتحقق إلا بزوال الاحتلال وعودة الحق لأصحابه.
الخاتمة: الانتصار المستمر
هل انتصرت غزة؟ الإجابة ليست نعم أو لا. غزة انتصرت في كل مرة احتفلت بها رغم الخراب، وانتصر أطفالها الذين حلموا بمستقبل رغم الليل الطويل. لكن الحرب لم تنتهِ، والصراع لم يُحسم. يبقى الحلم الفلسطيني مستمرًا، بين فرحة مؤقتة وواقع قاسٍ.
غزة اليوم ليست مدينة منكسرة ولا مدينة منتصرة بالكامل. هي ببساطة غزة، تلك الأرض التي تُعيد تعريف النصر، وتحول كل لحظة من الحياة إلى تحدٍ أمام آلة الموت. في ذلك، يكمن الانتصار الأكبر: غزة لا تزال حيّة، ولا تزال تقاوم.