2 مايو 2024 م


11 ديسمبر 2019 م 1084 زيارة
وورد نيوز غربيه -متابفعات : الاستثناء التونسي" ليس بالوهج الذي تروّج له الخطابات المتفاخرة ما يحدث في تونس، تحت قبة مجلس نواب الشعب تحديدا، ليس أكثر من علامة على تردي العملية السياسية في البلاد إلى أدنى درجات الضحالة وإدارة الظهر لمشاغل البلاد والعباد. الخلافات الأخيرة بين الحزب الدستوري الحر وحركة النهضة، هي تعبير دالّ على المسافة الفاصلة، بين الواقع السياسي الأرعن الذي شيّدته الأحزاب الحاكمة منذ سنوات، وبين ما كان يفترض أن تكون عليه البلاد بعد سنوات من “ثورة” قامت للقطع مع الاستبداد ومنوال التنمية المتخلف، إلا أنها أودت بالبلاد إلى وضع أكثر ترديا من ذلك الذي ثارت عليه البلاد. المسألة أبعد من مجرد خلاف بين حزبين (الأول يمثّل النظام القديم والثاني يدعي أنه يمثّل الثورة)، وهي أعمق من تجاذبات حول اعتراف الأول بالثاني أو قطيعة الثاني مع الأول. في عمق الأزمة عملية سياسية صيغت بطريقة خاطئة منذ البداية. تعجّلت الطبقة السياسية الجديدة في تونس، تصميم نظام سياسي مرتجل، كان يعلنُ الحيلولة دون عودة الاستبداد، لكنه كان يضمر هندسة المستقبل السياسي للبلاد بما يخدم مصالح الوافدين الجدد. ترافق النظام السياسي الذي اتخذ عنوان النظام البرلماني المعدّل بديلا عن النظام الرئاسي، مع نظام انتخابي لم يكن أقل منه ارتجالا، حيث تم اعتماد التمثيل النسبي مع ما يعنيه ذلك من تشتت برلماني وما يفرزه من هيمنة للأحزاب المالكة للمال والإعلام. الهرولة السياسية لم تقتصر على النظام السياسي ونظام الانتخابات فحسب بل طالت أيضا المسارعة إلى إنجاز “العفو التشريعي العام”، الذي لم يكن ضمن مسار العدالة الانتقالية بل كان إجراء متعجلا قدمت حركة النهضة تنازلات ومقايضات في سبيل تحقيقه لإرضاء قواعدها وضمان ولائهم الانتخابي والحزبي، لكن ثمن هذا العفو العام كان باهظا، سواء من ناحية الكلفة المادية المباشرة، أو من ناحية أثره على إغراق قطاع الوظيفة العمومية بالآلاف من الموظفين دون دراسة متريّثة لحاجيات البلاد أو لقدرة القطاع على الانتداب. تضافرت كل هذه العوامل مع غيرها من العوامل الثانوية، لتوصل البلاد إلى مرحلة سياسية موسومة بالانسداد، تجلت مظاهره في النتائج الانتخابية الأخيرة التي بيّنت أن الناخب سلّط عقوبة على المنظومة الحاكمة برمتها، لكن الخيارات التصويتية العقابية ذهبت في أغلبها إلى قوائم أو تيارات أو شخصيات أقرب إلى الشعبوية منها إلى العمل السياسي الرصين. وعندما تجتمع الشعبوية مع أحزاب الفشل المتواتر، فإن النتيجة لن تكون أفضل من المشاهد الماثلة اليوم تحت قبة البرلمان التونسي. “الاستثناء التونسي” ليس بالوهج الذي تروّج له الخطابات المتفاخرة بالمنجز الديمقراطي في تونس، ذلك أن النخبة السياسية في جل مكوناتها، لا تتنافس من أجل خدمة البلاد وفق البرامج أو وفق الخيارات السياسية والاقتصادية، بل تتصارع من أجل الغنيمة والمناصب وما يترتب عليهما من فوائد وامتيازات. ثابرت النهضة على توفير مقومات بقائها في السلطة، ولم تجرؤ على الابتعاد قيد أنملة عن الخيارات الاقتصادية أو التنموية للنظام السابق، فكان تفكيرها منصبّا في البداية على “تعويض” أنصارها وقواعدها، ثم تفرغت لتحصين وجودها السلطوي، وهو ما أدى بها وشركائها إلى استسهال الاقتراض والتداين الخارجي، دون تفكير في تدبّر الحلول العميقة لأزمات البلاد التي تتفاقم باطّراد، إلى أن تحوّلت إلى سبب رئيسي في الأزمة. المفارقة أن المعارضة التونسية منذ 2011، انساقت في المسار الذي رسمته النهضة في التعاطي مع أوضاع البلاد، ولم ترتق إلى مستوى يمكّنها من تقديم بدائل عن الارتجال النهضوي. لا فرق في الأحوال التونسية، بين حاكم ومعارض إلا بالشعارات، ذلك أن كل الطبقة السياسية ساهمت، بتفاوت، في الوصول إلى هذا المستوى من الترذيل السياسي الذي بلغته البلاد، وهو ترذيل يعكس استخفافا مريعا بالأوضاع التونسية الراهنة على كل الأصعدة، ويترجم عجزا حقيقيا عن تشخيص الأمراض التونسية وعن التوصل إلى العلاجات. خصومة الحزب الدستوري مع حركة النهضة ليست سوى قمة الجبل العائم في محيط المشكلات العميقة، التي تفترض التفاتا جديا لمشاكل النظام السياسي والاهتمام بمؤسسات الدولة المتداعية، والبحث عن حلول جديدة، ربما موجعة، لقضايا الاقتصاد. تحتاج تونس إلى نخبة تجيد قراءة الأرقام وتحليلها واستنباط حلول واقعية قابلة للتحقق. وفي ما عدا ذلك ستستمر المناكفات والخصومات وغيرها من تعابير الضحالة والترذيل.
الهاشتاج
الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة World News ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI