16 إبريل 2024 م


9 يوليو 2018 م 1735 زيارة

ثقافة المونديال.. عمرو حمزاوي

كالعادة، تحيط السياسة بالدورة الحالية لكأس العالم لكرة القدم وتتفاوت المضامين بين استغلال الحكام للعبة الشعبية للاقتراب من مواطنيهم وبين وعي متميز لبعض لاعبي كرة القدم بالحقائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعاصرة.
للبلد المنظم، روسيا، حاكم تتبدل مواقعه بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ولا تتبدل سيطرته على مؤسسات وأجهزة الدولة والسياسات العامة. يوظف بوتين كأس العالم لكرة القدم 2018 بكفاءة للترويج لنفسه كحاكم عصري ولحكومته كحكومة قادرة على تحقيق إنجازات كبرى ولبلده كبلد واثق في ذاته ومنفتح على الدنيا دون خوف ولمواطنيه كأفراد يستمتعون بالحياة ويتمتعون برغد العيش. هذه هي المشاهد التي تنقلها لنا الكاميرات حين تتحرك بين جوانب ملاعب المباريات، ليظهر هنا بوتين وهو جالس في هدوء لمتابعة أداء المنتخب الروسي في المباريات التي يتوقع بها فوزه والابتسامة الواثقة لا تفارق وجهه وليظهر هناك رئيس الوزراء ميدفيدف بملامحه القلقة في المباريات التي تنخفض بها حظوظ الروس في الفوز. وبين الحاكم الأبدي وصنيعته، تتنقل الكاميرات بين أرجاء الملاعب العصرية لتظهر وجوه سعيدة ونضرة لنساء ورجال من الشباب ومتوسطي العمر يحتفلون بانتصارات منتخبهم ويحيونه بملابسهم التقليدية حين يغادر المسابقة بعد الهزيمة في دور الثمانية. بإعداد دقيق من قبل بوتين وحكومته، يوظف كأس العالم 2018 أيضا لمداعبة الشعور الوطني للروس الذين يتابعون كيف تخرج بلادهم من سياقات التغطية الإخبارية السلبية لانهيارات وإخفاقات وأعمال عسكرية عدوانية وهجمات إرهابية وفساد وتراجعات اقتصادية واجتماعية حادة (تلك السياقات التي تحيط بهم منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في بداية تسعينيات القرن العشرين وإلى اليوم) وتدمج بعد طول غياب في الخانات الإيجابية للأخبار العالمية بشهادات متكررة عن التنظيم الرائع لكأس العالم 2018 وعن عصرية ملاعب المباريات وجمال المدن الروسية وسحر الشعب الروسي.
ولأن لحاكم روسيا، فضلا عن رئيس الوزراء، عمالا وصنائع في كافة أرجاء البلد الكبير، كان لزاما أن يصلهم أيضا ولو القليل من الفائدة السياسية. هكذا، شاهدنا حكام الأقاليم والمدن الروسية في المطارات لاستقبال المنتخبات المشاركة في كأس العالم وفي فنادق ومعسكرات الإقامة للتثبت من سلامة الترتيبات وفي ملاعب المباريات لمتابعتها وإظهار الجانب المنفتح على الدنيا والعصر للحكومة الروسية. إلا أن الانفتاح على الدنيا والعصر لم يمنع بعض المسؤولين الروس من التورط في توظيف سياسي رديء للحدث العالمي، مثلما فعل رمضان قاديروف حاكم الشيشان المتورط في انتهاكات مفزعة لحقوق الإنسان حين ذهب لتدريبات المنتخب المصري الذي عسكر بالشيشان وتجول بالملعب مصطحبا محمد صلاح سامحا للعدسات بالتقاط صور لهما ثم استقبل المنتخب المصري في حفل رسمي وأهدى لصلاح المواطنة الشيشانية الفخرية.
بالقطع، تغيب عن الكاميرات تفاصيل انتهاكات حقوق الإنسان في الشيشان وغيرها من الأقاليم الروسية والتي تسأل عنها حكومة بوتين الأوتوقراطية وتختفي من الشاشات حقائق المعاناة الاقتصادية والاجتماعية لقطاعات واسعة من المواطنين الروس الذين لم يطلهم قطار التحديث واللحاق بركب العصر ولا تبدو على وجوههم علامات السعادة والنضارة على عكس الوجوه الحاضرة في ملاعب المباريات.
بعيدا عن التوظيف السياسي لكأس العالم لكرة القدم 2018، تميز بعض اللاعبين المشاركين مع منتخباتهم بلادهم بدرجة عالية من الوعي السياسي ندر أن توجد لدى لاعبي الكرة. روميلو لوكاكو ورحيم سترلينغ، منتخب بلجيكا ومنتخب إنكلترا على التوالي، خرجا على الرأي العام العالمي بمشاركات صحفية جريئة تحدثا بها عن الفقر والعنصرية والتمييز في البلدين. اللاعبان عانا من الفقر وواجها العنصرية طويلا، ولم يزل البعض في بلديهما يتعامل معهما بعنصرية البيض المقيتة ضد أصحاب البشرة الداكنة. وعي لوكاكو وسترلينغ، وكذلك التعامل الهادئ للاعبي المنتخب الإسباني مع التنازع حول مستقبل إقليم كاتالونيا الذي تنحدر منه أصول بعض اللاعبين، قابله غياب الوعي عند لاعبين آخرين. لاعبا المنتخب الألماني مسعود أوزيل وايلكاي جوندجان التقيا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكتبا له على أطقم لبسهما «إلى رئيسي»، في مشهد رديء ضرب عرض الحائط بمواطنيتهما الألمانية وفتح الباب على مصراعيه لليمين الألماني المتطرف لشن الهجمات العنصرية على اللاعبين وعلى غيرهما من ذوي الأصول التركية والأجنبية في المنتخب الألماني. أما لاعبو المنتخب المصري، فقبلوا، إن دون وعي أو بإجبار من قبل الاتحاد المصري لكرة القدم، أن يصيروا أداة للاستغلال السياسي في يد حاكم الشيشان ولم تظهر عليهم دلائل الرفض أو الامتعاض مما حدث سوى بعد أن نشرت كبريات الصحف العالمية تقارير سلبية عن حكاية قاديروف ولاعبي المنتخب المصري (وبصفة خاصة محمد صلاح).
أبدا لا تغيب السياسة عن كرة القدم، ودوما تظل دورات كأس العالم ساحات للتوظيف السياسي الرديء والأقل رداءة وساحات أيضا لإظهار بعض اللاعبين وعيهم بحقائق الدنيا بعيدا عن المشاهد المبهرة التي تتناقلها الكاميرات.
٭ كاتب من مصر

الهاشتاج
الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة World News ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI