4 مايو 2024 م


9 سبتمبر 2020 م 1727 زيارة

م: عيسى البرطي

عربية WORLD NEWS  :قبل أن يحل علينا انفجار مرفأ بيروت كالصاعقة، كان اللبنانيون يصفون المرفأ بأنه "مغارة علي بابا"، وإن كان أحد لم يتخيل يوماً أن "الأربعين حرامياً" قد يكونون بهذا المستوى من الفشل والإجرام، وأنهم سيزرعون قنبلة ذرية في قلب بيروت وعلى مسافة كيلومتر أو أدنى من أحياء مأهولة وشوارع مكتظة.

 قبل الإنفجار تناقل اللبنانيون مراراً روايات عن امتيازات لأحزاب في المرفأ وتهرّب من الجمارك ومبيعات السوق السوداء. وجاء الإنفجار  ليعرّي القليل الذي بقي مستوراً. فلمّا كانت بيروت جثّة على الأرض والمرفأ ركاماً والسيارات محطمة والمباني متصدّعة، كانت الطبقة الحاكمة مشغولة بتبادل الاتهامات بالمسؤولية، محاولة غسل يديها من دماء شعبها. 

واليوم، وبعد مرور أكثر من شهر على الإنفجار، ما زال مرفأ العاصمة منكوباً والضرر كبير، و80 في المئة منه ركاماً، فيما الـ 20 في المئة المتبقّية خراب .

 

 وفي هذا الإطار، توقع مصرف "غولدمان ساكس" الأميركي أن تكلف عملية إعادة إعمار المرفأ فقط، بين 3 و5 مليارات. في حين قدر تقرير للبنك الدولي الأضرار التي لحقت بقطاع النقل والميناء في لبنان بما يتراوح بين 580 مليون دولار و 710 ملايين دولار.

 

 وأبدت دول عدة اهتمامها بإعادة الإعمار، وكانت أولاها الكويت التي أعلنت أنها ستعيد بناء صوامع الحبوب الضخمة المتضررة.

كذلك، أعلنت جمعية أرباب العمل الفرنسيين (ميديف) أنّ الشركات الفرنسية مستعدّة للعمل "إلى جانب الشعب اللبناني" في مشروع إعادة بناء مرفأ بيروت.

 

 ولكن بعدما سحبت دول العالم ثقتها من الحكومة اللبنانية، ولم تقبل باتمانها حتى على المساعدات الانسانية للشعب اللبناني، لن يكون موضوع تمويل الإعمار بهذه السهولة، ولا شك في أن أبرز العوامل التي تردع المستثمرين الأجانب عن عملية إعادة إعمار المرفأ هو الفساد الداخلي في هذا المرفق الحيوي . وهنا تجدر الإشارة الى أن دولاً عدة ومن بينها فرنسا صرّحت وبوضوح أنها لن تقدم تمويلاً مباشراً للحكومة اللبنانية. 

 

وليس المرفأ إلا نموذجاً مصغراً للفساد اللبناني الأوسع، وليس خافياً على المستثمرين الدوليين ولا الجهات المانحة الدولية التنافس على النفوذ والغنائم في نظام نشأ على المحاصصة منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990).

 

 وفي تحقيق لها نشر اليوم، أفادت صحيفة "الناشونال" الإماراتية  أنه "على عكس المؤسسات العامة الأخرى في لبنان والتي تخضع لرقابة الحكومة، لا يمكن أن يخضع المرفأ للتدقيق الكامل من قبل وزارة المالية". وذكرت أن الوضع الراهن للمرفأ يناسب الأحزاب السياسية. والمشكلة هي أنه إذا كان المرفأ تحت السيطرة المباشرة لوزارة معينة، فإن الحزب السياسي المسؤول عن تلك الوزارة سيسيطر على المرفأ أيضاً. وحتى الآن يخضع المرفأ لجميع الأحزاب السياسية، لذلك لا أحد يريد أن تتولى وزارة واحدة مسؤوليته".

 

 وقبل فترة، تحدث وزير الأشغال العامة والنقل السابق غازي العريضي عن شبكة معقدة للتهريب في المرفأ، تعتمد على كثير من الوسطاء والرشى على كل المستويات، وقال  إن "هذا كان يكلف المرفأ حوالى مليار دولار من إيرادات الرسوم كل عام".

 

 ونسبت  "الناشيونال" إلى مصدر مقرب من التحقيق في انفجار المرفأ أن حركة "أمل" لها "التأثير الأكبر في المرفأ، وأن 70 في المئة من العاملين فيه من الشيعة".

 

 ونقلت الصحيفة نفسها عن مصدر معني بإعادة إعمار الميناء: "إذا رفض اللبنانيون الإصلاحات، فقد يلجؤون إلى الصينين  الذين سيعيدون بناء الميناء بسعر رخيص وبوقت أسرع، لكن من دون رؤية... وسيكون الأمر مؤسفاً".

 

 

تقرير "سي آي إي"

وفي أي حال، ليست السمعة السيئة للمرفأ حديثة. فمنذ الحرب اللبنانية كان هذه البوابة الرئيسية للبنان، ملعباً رئيسياً لنفوذ "أمراء الحرب" على حساب الدولة اللبنانية. ورغم مرور أكثر من 30 سنة على النهاية الرسمية للحرب، لم تتبدل الصورة كثيراً، وإن يكن خريطة النفوذ تبدلت ومعها توزع المكاسب.

فقد أفاد تقرير لـوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إي" صادر عام 1987 تحت عنوان "مرافئ لبنان: بوابة لعدم الاستقرار والإرهاب"، أن "الدولة اللبنانية لم تعد قادرة على السيطرة على الخط الساحلي البالغ طوله 225 كيلومتراً أو تدفق الأشخاص والبضائع عبر حدودها".

 

 وأكد التقرير أن الميليشيات الإقليمية الفئوية والقوى المتحالفة معها والتي تدور في فلك  سوريا أو إسرائيل اغتصبت بشكل فعال سلطات الحكومة لتحصيل الجمارك ورسوم المرفأ وتنظيم الدخول والخروج من هذا البلد المنقسم سياسياً.

 

 

وقال إنه منذ 1975 فتحت الفصائل السياسية المتنافسة والمجموعات المتحاربة 25 مرفأ غير رسمي أو غير شرعي، اضافة الى المرافئ الخمسة المرخصة في طرابلس وجونيه وبيروت وصيدا وصور.لفت التقرير إلى أن النشاط في أكثر هذه المرافئ خارجة عن سيطرة الحكومة، 

 

 

ومن منظور دولي، اضطلع التقاسم الميليشيوي للمرافئ  في حينه "بدور أساسي في السماح لسوريا وليبيا وإيران ومجموعات فلسطينية بممارسة نفوذ سياسي على لبنان واستخدامه كنقطة انطلاق للإرهابيين لتنفيذ غزوات في أوروبا ومناطق أخرى من الشرق الأوسط"، بسحب تقرير "السي آي إي" الذي أكد أيضاً أن "القوى المسيطرة على المرافئ اللبنانية لن تقبل بخسارة سيطرتها عليها خوفاً من تعريض خطوط الإمداد ومصالحها الاقتصادية للخطر".

 

 ..أكثر من 30 سنة مرت على وضع هذا التقرير، ولكن تاريخ مرفأ بيروت يكاد يعيد نفسه اليوم، وإن ببعض الأسماء المختلفة.

 

الهاشتاج
الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة World News ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI